التشهير الإلكتروني حكم بالإعدام من دون محاكمة
أصبح التشهير الإلكتروني ظاهرة عالمية جامحة لا تكاد تقتصر على مجتمع معين . وبالرغم من أنها ظاهرة من الظواهر الحديثة ، إلا أن أضرارها، وانعكاسها على أفراد المجتمع ، مضر جدا ، ومدمر لأبعد الحدود . لقد أصبحت هذه الظاهرة في تزايد مستمر ، ويظهر هذا التزايد جلياً من خلال مضمون ما يتم نشره من فضائح على مواقع التواصل الاجتماعي، واليوتيوب ، وكذلك من خلال إقبال الكثير على مشاهدتها ، ودعمها بالإعجاب ، والمشاركة .
إن دور الهواتف الذكية يتمثل في : سهولة الحصول على الصورة ، ويتمثل دور شبكة الإنترنت في : سهولة انتشار هذه الصورة بين الأفراد كالنار في الهشيم ، من دون أدنى مراعاة لخصوصية الأفراد ، وما يترتب على التشهير بهم من إساءة إلى سمعتهم ، والضرر الذي يلحق بهم، وبأسرهم ، ومحيطهم الذي يعيشون فيه ، وهذا الأمر ، يتنافى تنافيا تاما مع القيم الإسلامية النبيلة التي تحث على الستر.
ففي كل مرة ، نجد على مواقع التواصل الاجتماعي ضحايا جدد من فئات اجتماعية مختلفة ، وأعمار مختلفة ، بل إن الموتى أنفسهم لم يسلموا من التشهير . فلا غرابة إذا ما وجد أحدنا يوما ما ، ومن دون علمه ، وجد صورة له منتشرة على صفحات شبكة الإنترنت . فالتقاط صورة لك خلسة ، أو حتى علناً في أحد المواقف الساخرة ، أو المحرجة، أو حتى المؤلمة ، كافٍ ليجعل منك مادة دسمة تقتات عليها المواقع طمعاً في جلب أكبر عدد من المشاهدات ، ونقرات الإعجاب ، وذلك باعتماد عناوين مثيرة تشد انتباه المتصفح وفضوله ، أو يجعلك مادة للسخرية يتناقلها روادها فيما بينهم .
فمن منا لم يصله يوما ما في هاتفه فيديو شخصي لأحدهم ، أو لقطات ساخرة لأحداهن ، قمنا بمشاركة هذه اللقطات مع أصدقائنا أحياناً، ومن دون وعي منا أننا نسهم بنصيب لا يستهان به من التشهير ، وأحياناً مع سبق الإصرار، وإلحاق الضرر.
يتخذ التشهير عدة وسائل ، وطرق أكثرها شيوعاً ، تتمثل في : الصور ، والتسجيلات الصوتية ، ومقاطع الفيديو، والتي قد تكون حقيقية ، أو مفبركة ، وذلك بهدف الانتقام ، أو الإساءة إلى السمعة، أو السخرية ،
أو الابتزاز، أو إقصاء أحد الخصوم ، أو ضرب بسمعة إحدى الشركات المنافسة في السوق . فالتشهير : لا يمس عموم الأفراد فقط ، بل يمس أيضا المسئولين ، والشخصيات العمومية ، ومؤسسات الدولة ، والشركات ، والعلامات التجارية على سبيل المثال لا الحصر، الأمر الذي جعل من مواقع التواصل الاجتماعي فضاء واسعاً للانتقام ، وتصفية الحسابات ، الأمر الذي أفقد مواقع الإنترنت مصداقيتها ، بالرغم من مزاياها ، وفوائدها الكثيرة على الجميع .
إن التشهير: ليس وليد التكنولوجيا ، وإنما هو ترجمة تحاكي العصر لسلوكيات كانت حاضرة في أوساط مجتمعنا كالتجسس ، وفضح الأعراض ، والغيبة ، والنميمة التي تنتقل من الأفواه إلى الآذان . هذا : وقد برز التشهير بروزا علنياً بشعا ، بعد ظهور الإنترنت ، وأصبح يمارس ممارسة توازي تطور العصر ويكفل نوعاً من السرية وإخفاء الهوية للمشهرين ، وذلك بإنشاء حسابات وهمية يتخفون من ورائها كخفافيش الظلام .