على مرِّ التَّاريخِ الإنسانيِّ هدفتِ المُجتمعاتُ النَّاشئةُ إلى تحقيقِ طفرةٍ معرفيةٍ تُمكنُهَا إمَّا للحاقِ بِمَنْ سبقَهَا أو للهيمنةِ عَلَى مَنْ يُجاورُها، ولِتحقيقِ هذا المطلبِ أولتْ عنايةً خاصَّةً بآلياتِ إنتاجِ المعرفةِ وتداولِها لأنَّهَا وسيلتَهَا الأمثل لِتحقيقِ مقاصَدَهَا، فَعَلَى سبيلِ المثالِ، تمكنَ المُجتمعُ اليونانيُّ مِنَ التَّحُكمِ فِي الإنتاجِ المعرفيِّ والثَّقافيِّ الإنسانيِّ لِفترةٍ زمنيةٍ ليستْ بِالقصيرةِ وتَأتَّى لَهُ ذلِكَ عبرَ مدارسِهِ ومَا تحويه مِنْ آلياتٍ مُتنوعةٍ ساعدتَها على إنتاجِ قدرٍ يُعتدُّ بهِ مِنَ المعارفِ مكَّنتها مِنَ التَّحكمِ فِي مسارِ إنتاجِ وتداولِ المعرفةِ، كذلِكَ هو الأمرُ مَعَ الحضارةِ الإسلاميةِ الوسيطةِ التي اهتمتْ بِدورِهَا بآليات وطرائقَ إنتاجِ المعرفةِ إدراكاً مِنْهَا لِدورِها وفِي تكوينِ شخصيةِ المُسلمِ.
أمَّا فِي التَّاريخِ المُعاصرِ تبدو أهميةُ المعرفةِ واضحةً جليةً، فمعَ بداياتِ القرنِ العشرينِ ومَا صاحبَهُ مِنْ انفجارٍ معرفيٍّ انتهى إلى تقسيمِ المُجتمعاتِ والدَّولِ إلى فئاتٍ ومُستوياتٍ بِحسبِ قُدرتِهَا عَلَى إنتاجِ المعرفةِ وتداولِها، لِهذا فقد نحتْ كثيرٌ مِنَ الدُّولِ إلى إعادةِ النَّظرِ فِي مُحتوى مناهجِها التعليميةِ من أدناها إلى أعلاها؛ وذلِكَ بِهدفِ تجاوزِ عجزِهَا الظَّاهرِ عن الانخراطِ فِي مشروعِ إنتاجِ المعرفةِ.
فِي هذا السِّياقِ، ومنذ تأسيسِ الجامعة الليبيةِ مَعَ منتصفِ القرنِ الماضيِّ أولتْ اهتمامَهَا لمسألةِ إنتاجِ المعرفةِ في الدَّرس الإنسانيِّ، ورغم انقضاءِ مُدَّةٍ زمنيةٍ ليستْ بِالقصيرةِ ـ قُرابة القرن ـ إلاَّ أنَّ نتائجَ هذا العملِ لمْ تكُنْ في المُستوى المرجوِ مِنْهُ، حيثُ عجزَ الدَّرسُ الإنسانيُّ الليبيُّ عَنْ تحقيقِ هدفِهٍ البعيد والمُتمثلِ فِي الانخراطِ فِي مشروعِ إنتاجِ المعرفةِ وتداولها، كمَا أنَّهُ أخفقَ فِي تكريسِ تقاليدٍ خاصَّةٍ يرسمُ بها هويتَهُ، بِالإضافةِ إلى ذلك، لم يتمكن الدَّرسُ الإنسانيُّ في الجامعة الليبية من تكوينِ الكوادرِ القادرِة عَلَى الانخراطِ في هذا المشروع؛ بل عَلَى العكسِ مِنْ ذلكَ اتسعتِ الهُوةُ المعرفيةُ بينَهُ وبينَ الدُّروسِ الإنسانيةِ العربيةِ المُحيطةِ بهِ جُغرافياً (تونس، الجزائر، مصر، المغرب) لِيتعذرَ تداركُهَا فِي المدى المنظورِ، عليهِ، ومِنْ هذا المُنطلقِ، تعتزمُ (كليةُ الآدابِ بِجامعة سبها) إقامةَ مُؤتمرٍ علميٍّ بِعنوانِ: (الدَّرسُ الإنسانيُّ والمُمارساتِ المنهجية في الجامعة الليبية)
تحت شعار (الارتقاء بمُستوى الأداءِ الأكاديمي في الجامعاتِ الليبية) والَّذي يهدفُ إلى تشخيصِ خصوصياتِ الدَّرسِ الإنسانيِّ الليبيِّ عند انخراطِهِ فِي مشروعِ إنتاجِ المعرفة وتداولِهَا في العلومِ الإنسانيةِ، مع بيانِ جوانبِ القصورِ فِيهِ؛ وذلك حتَّى يتسنى لِلقيمينَ عَلَى المُؤتمرِ الخروجُ بِنتائجَ واقعيةٍ ومُؤشراتٍ حقيقيةٍ توضعُ أمامَ صانعِ القرارِ ـ وزارة الَّتعليم العالي والبحث العلمي ـ ليتسنى لَهُ الاسترشادُ بِهَا عِنْدَ إعادةِ تقييمهِ لواقعِ الدَّرسِ الإنسانيِّ وطبيعتِهِ فِي الجامعاتِ الليبيةِ.
ولتحقيق هذا المقصدِ سيتمحورُ النِّقاشُ في هذا المُؤتمر حول التَّساؤلات الإشكالية النَّظرية التَّالية:ـ هل نجحتِ الجامعةُ الليبيةُ في تبيئةِ الدَّرسِ الإنسانيِّ فِي أروقتِهَا؟ ما نوع التَّأطيرِ النَّظري الَذي خضع لهُ الدَّرسُ الإنسانيُّ فِي الجامعةِ الليبيةِ؟ هل يُمكنُ الحديثُ عن مُمارساتٍ منهجيةٍ مُؤطرةٍ فِي الجامعةِ الليبيةِ؟ وقادرة على إنتاجِ معرفةٍ إنسانيةٍ قابلةٌ للتداولِ اجتماعياً؟ ما طبيعةُ العلاقةِ الكائنةِ بين المعرفي والأيديولوجي فِي الدَّرسِ الإنسانيِّ الليبيِّ؟ هل نجح الخطابُ السِّياسيُّ للدولة الليبية فِي العقود الماضية في توجيه مسارِ الدَّرسِ الإنسانيِّ المُكرسِ فِي الجامعةِ الليبيةِ؟ ما شكل صورة العلمِ الإنساني فِي المخيالِ الاجتماعي الليبي؟ هل يتوافقُ مُحتوى القيمِ الاجتماعيةِ الليبيةِ وجوهرُ القيمِ المعرفيةِ للدرس الإنسانيِّ؟
محاور المُؤتمر الدَّرسُ الإنسانيُّ والمُمارساتُ المنهجيةُ في الجامعةِ الليبيةِ
0021892548894
00218-916295464
chmp@sebhau.edu.ly
مكان انعقاد المؤتمر في جامعة سبها في مركز اللغات (مدرج مركز اللغات)